سقوط أسطورة الجامعة

في الأكاديمية المظلمة يكشف بيتر فليمينغ ما نحسه جميعاً ولا نجد له اسماً: جامعات ما تزال تتحرك بآليّتها القديمة، لكن روحها غادرت منذ زمن. صارت الأرقام تغلب على الأفكار، والبيروقراطية على المعرفة، والنجاة على الفضول.

إعتراف متأخر

في كتابه المثير (الأكاديمية المظلمة) بيحليل بيتر فليمينغ فكرة أغلبنا يشعر بها و لا يجد لها كلمات . الجامعة، في رؤيته، لم تعد بيتاً للمعرفة، بل جسداً يتحرك بالعادة، فيما الروح غادرته منذ سنوات. كل شيء ما زال قائماً في شكله: المحاضرات، الإجتماعات، الشعارات… لكن الداخل صار مساحة يتحكم فيها منطق السوق أكثر من منطق الفكر. كلمات مثل «التميّز» و«الأثر» و«العلامة» تُستخدم كي يُغطّى فراغ عميق، لا كي يُبنى معنى. في عالمٍ كهذا، يصبح الفضول مخاطرة شخصية، والإحتراق سلوكاً طبيعياً، والسخرية الجماعية ليست تمرداً بل طريقة صامتة للبقاء. قوة الكتاب أنه ما بيُساوم ولا بيقول ليك إنو الحل بسيط. لقد كشف لك أن الإحساس بالإنهاك ليس هشاشة فردية، بل نتيجة مباشرة لبيئة فقدت صدقها. وحين تقرأه، تشعر وكأنه يفتح نافذة نحو إحتمالٍ آخر: أن معنى الحياة قد يكون خارج هذه الجدران، لا داخلها. هذه قائمة بعشرة أفكار و رؤى مأخوذة من الكتاب: 1. الجامعة كجسد بلا روح (Zombie Institution) مكان يستمر في أداء طقوسه، بينما المعنى الذي كان يعطيها حياتها تلاشى ببطء تحت ثقل المنطق الربحي. 2. قناع الإحترافية المتعبة (Toxic Professionalism) حماس مصطنع، عمل بلا توقف، إيقاع لا يترك مساحة للإنسان كي يكون إنساناً. 3. القيمة التي تتحول إلى رقم (Metricized Output) كل شيء يُقاس؛ وكل ما لا يُقاس يختفي من الإعتبار. حتى الإنسان. 4. قاعدة النجاة القاسية (Publish or Perish) إيقاع يشبه الركض في دائرة–نتاجه قلق دائم، وإنجاز بلا طمأنينة. 5. سيطرة الإدارة على نبض الجامعة (Administrative Core Activity) حين يتضخم الظل الإداري، يضيق الضوء الذي يحتاجه البحث والتعليم كي ينموا. 6. «الأثر» كحيلة شكلية (Impact Agenda) ممارسات تملأ التقارير لكنها لا تفتح سؤالاً جديداً ولا تُشعل فكرة واحدة. 7. هشاشة مقصودة (Precarity as a Feature) ليس خطأ في التصميم، بل جزء منه. هشاشة تبقي الجميع في مكانهم. 8. السخرية التي نستخدمها كي نتحمل (Communal Cynicism) ضحكة خفيفة، وقلب يعرف الحقيقة، وصمتٌ طويل نمارس به نوعاً من الحماية الذاتية. 9. حين تصبح الجامعة «علامة» لا مكاناً (Brand-Driven University) الجوهر يُستبدل بمظهر؛ والمعرفة تُعامل كإعلان. 10. الخروج كعودة إلى الذات (Escape as Liberation) أحياناً يكون الطريق الأصدق هو أن تعترف بأن المشكلة ليست فيك، وأن نجاتك تبدأ حين تتوقف عن مجاراة ما فقد روحه. أتمنى أن تتطلع وزارة التعليم العالي على هذا الكتاب لأنه يوضح تماماً الفرق بين رسالة الجامعة الحقيقية وبين البيروقراطية المتعسفة التي تدار بها الجامعات حتى أصبحت قيداً.

الكاتب: ربيع اسـماعيــل

المحرر: امين ادم حسن

المصدر: مجموعة الباحثين السودانين بالفيس بوك

You've successfully subscribed to Sudanese Researchers Foundation
Great! Next, complete checkout to get full access to all premium content.
Error! Could not sign up. invalid link.
Welcome back! You've successfully signed in.
Error! Could not sign in. Please try again.
Success! Your account is fully activated, you now have access to all content.
Error! Stripe checkout failed.
Success! Your billing info is updated.
Error! Billing info update failed.