ما هي المعادن الحرجة؟
في الجدول الدوري لا توجد مجموعة رسمية من العناصر تُسمّى المعادن الحرجة، ومع ذلك لا يتوقف العلماء و واضعو السياسات و وسائل الإعلام العالمية عن الحديث عنها. تُوزّع هذه المعادن بين مجموعات كيميائية مختلفة، لكنها أصبحت العمود الفقري للإقتصاديات الحديثة وأحد الركائز الأساسية للجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين. تتمتّع المعادن الحرجة بأهمية إستراتيجية وإقتصادية وأمنية وسياسية بالغة.
وقد عرَّفت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) المعادن الحرجة بأنها: "المعادن الضرورية لإقتصاد الولايات المتحدة أو لأمنها القومي، والتي تتعرّض سلاسل توريدها لإحتمال الإضطراب أو الإنقطاع "وبالمثل، يمكن لأي دولة أن تُحدِّد بنفسها المعادن والمواد الخام التي تعتبرها حرجة لإقتصادها الوطني.
تشمل قائمة المعادن الحرجة الأمريكية مجموعة واسعة من الفلزات والعناصر مثل العناصر الأرضية النادرة (REEs)، والكوبالت، والليثيوم، والنيكل، والنحاس، والغرافيت، إضافة إلى الغاليوم والجرمانيوم والنيوبيوم والتنغستن.
تُنتج الولايات المتحدة نحو 1.3% فقط من العناصر النادرة من إنتاج العالم، لكنها تستهلك كميات أكبر بكثير. وفي المقابل تُنتج الصين نحو 60% من الإنتاج العالمي، وتُسيطر على أكثر من 90% من عمليات التكرير. ولضمان إستدامة الإمدادات، تسعى الولايات المتحدة إلى إستكشاف الإمكانات الجيولوجية في دول مختلفة حول العالم، بدءًا من الدول الصديقة، وربما انتهاءًا ببعض الخصوم.
عصر جديد من دبلوماسية المعادن
في مارس 2025، قالت الدكتورة/غرايسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة، إن الولايات المتحدة تدخل “عصرًا جديدًا من دبلوماسية المعادن”.
وقّعت الولايات المتحدة وأستراليا اتفاقية إطار للمعادن الحرجة تهدف إلى تسريع بناء سلاسل توريد مشتركة بين الحلفاء وتقليل الإعتماد على الدول المنافسة. تُعد أستراليا أكبر منتج لليثيوم في العالم، إلا أن معظم إنتاجها يُكرّر في الصين، ما دفع واشنطن وكانبرا إلى العمل معًا لتغيير هذا الواقع. سياسيًا، جاء الإتفاق أيضًا في إطار مواجهة النفوذ الصيني، حيث تبنّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا النهج لموازنة القوة الإقتصادية المتنامية لبكين.
وفي 30 أبريل 2025، وُقّعت إتفاقية المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، والتي تنص على تطوير معظم الموارد المعدنية في أوكرانيا بالشراكة مع واشنطن.
أما في إفريقيا، فقد لعبت الولايات المتحدة دور الوسيط في إتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية (DRC)، وهي دولة غنية بالكوبالت والليثيوم واليورانيوم وغيرها من المعادن.
وفي 9 مارس 2025، أعلنت واشنطن إنفتاحها على إقامة شراكات جديدة مع الكونغو في مجال المعادن الحرجة، في خطوة تُبرز العلاقة بين السلام والإستثمار المعدني في القارة السمراء.
السودان: العِملاق النائم في الدرع العربي النوبي
وسط هذا التحوّل في خريطة السياسة المعدنية العالمية، يبرز السودان كإحدى أكثر المناطق الواعدة وغير المستكشفة بعد. فهو يقع ضمن الدرع العربي النوبي (ANS)، أحد أكثر الأقاليم الجيولوجية غنى بالمعادن في العالم، ويُشكّل السودان أكثر من 10% من مساحة هذا الدرع. ويمتلك السودان إمكانات ضخمة في مجال المعادن الحرجة، من الذهب والنحاس إلى الليثيوم والعناصر الأرضية النادرة.
وإذا ما تحقق السلام والإستقرار، يمكن للسودان أن يلعب دورًا محوريًا في النظام العالمي الجديد للمعادن، رابطًا بين إفريقيا والشرق الأوسط عبر ممر جيولوجي غني بالموارد الحيوية لمستقبل التكنولوجيا العالمية.
الجيولوجيا أصبحت جيوسياسة
لم تعُد المعادن مجرد عناصر في الجدول الدوري، بل أصبحت مفاتيح القوة في القرن الجديد.
فالوقود الذي سيُحرّك الإقتصاد العالمي في المستقبل لن يكون النفط، بل تلك المعادن الخفية في أعماق الأرض — الليثيوم، الكوبالت، والعناصر الأرضية النادرة — التي تُغذّي الثورة الصناعية القادمة وتُعيد رسم موازين القوى على مستوى العالم.
الكاتب: محمد حسين أحمد
المحرر: امين ادم
المصدر: مجموعة الباحثين السودانين بالفيس بوك