للكاتب: إسلام جمال
تلخيص عمر محمد يوسف
أحيانا تراودنا تلك الأسئلة عن حال الناس الذين يحافظون على صلاتهم ولا تفوتهم أية صلاة، ذلك الشيخ الكبير الذي قارب الثمانين وهو يتكئ على عصاه ويمشي للمسجد كل يوم لا يمنعه برد ولا مطر، وحال العامل البسيط الذي يغلق محله ويتجه للمسجد بمجرد سماع الأذان ويصلي بهدوء، مطمئنا خاشعاً، لماذا يحافظ بعض الناس على هذه الصلاة بينما لا يستطيع الكثير أن يصلي ركعة واحدة، ما هي أسرار هؤلاء الذين قلما فاتتهم صلاة ؟
رغم علمنا المسبق أن الصلاة مصدر للطمأنينة والراحة والسعادة إلا أننا نصر على تجاهلها، أو نغفل عنها، وذلك للاعتقاد السائد لدى البعض بأنه في يوما ما سوف يصلي ويظل ينتظر ذلك اليوم دون جدوى، فالخروج من يوما ما هي البداية للحفاظ على الصلاة وبدل أن نشغل أذهاننا باختلاق الأعذار حتى لا نصلي فالأفضل أن نشغلها باختلاق
عوامل تعين على الصلاة:
فرضت الصلاة في الإسراء والمعراج أي تقريباً بعد اثني عشر عاماً من النبوة وكان صلى الله عليه وسلم طوال تلك الفترة يحدث الصحابة عن الله عز وجل وآياته، وصفاته رحمته وقدرته، وعندما فرضت في ذلك التوقيت الحكمة بالغة حيث كان من الضروري أن يستقر حب الله تعالى في قلوبهم، فيأتي فرض الصلاة ويجد مكاناً في قلوبهم بل شوقاً منهم للاتصال مع هذا الخالق العظيم الودود، لذلك فأن أول مهارة للحفاظ على الصلاة هي التعرف على الله عز وجل.
إن الإنسان مجموعة من الأفكار وما تفعله في حياتك هو تنفيذ لتلك الأفكار التي تسيطر وتدور في عقلك، وعندما تجاهد عقلك في أن يجعل الصورة الذهنية للصلاة، ترتبط بالسكينة والطمأنينة والسعادة، فإنه يقوى على سلاح إبليس الوحيد وهو الوسوسة وما الوسوسة إلا تأثير سلبي على الأفكار حيث يجعل الصلاة بالنسبة لك مهمة ثقيلة وصعبة فالذين يحافظون على الصلاة، يقومون بعمل بسيط، وهو أنهم يقنعون عقولهم باستمرار بأنهم قادرون على أداء الصلوات أيا كانت الظروف.
في دراسة أجريت على أكثر الأشخاص نجاحا، وجد الباحثون أن هناك صفة أساسية مشتركة بينهم، هي ضبط النفس، وهؤلاء الذين يحافظون على صلواتهم لسنوات وسنوات لديهم تلك الصفة، وليس لديهم قدرات خاصة، ولا ظروف استثنائية، بل طوروا تلك الصفة حتى أصبحت عادة، ويقصد بضبط النفس هو أن تقوم بما عليك فعله في الوقت المحدد له، سواء أحببت هذا العمل أم لا، وكلما قمت بالأمور المهمة أيا كانت الظروف، قويت شخصيتك وتحكمت بهوى النفس
أمرنا الله تعالى أن نصلي حتى تتغير موازين الكون، فشرع لنا صلاتي الكسوف والخسوف، وصلاة الاستسقاء، صلاة تغير موازين الكون، فكيف لها ألا تغير حالك ؟؟؟ ، فكل يوم لك خمس زيارات أساسية، مع ملك السماوات والأرض هي فرصة لتسأل الله حاجتك في كل مسألة صغيرة كانت أم كبيرة، وتخيل أنك تقف بين يدي من هو على كل شيء قدير.
الصلاة نشاط يومي، نفعله عدة مرات في اليوم، ومن المهم أن نجعل عملية القيام للصلاة وليست الصلاة نفسها عادة، نفعلها بشكل تلقائي دون مجهود، وحتى نستمر في أية عادة لا بد لها من وجود مكافأة نحصل عليها، ومن حكمة الله أن جعل السكينة والطمأنينة مكافأة فورية بعد الصلاة، وما يولد السكينة هو الخشوع في الصلاة الذي يجعلك تشتاق إليها، ومعه تصبح الصلاة عبادة متجددة وليست مجرد عادة روتينية.
نزلت سورة الضحى على النبي صلى الله عليه وسلم في وقت لم يكن يتلقى فيه أي وحي من الله تعالى لمدة ستة أشهر، وقال المشركون إن رب محمد ودعه وقلاه، أي تركه وأبغضه، فأثر ذلك في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وعندما أراد الله أن يبشر نبيه، ويقسم بشيء يحث على الإيجابية والتفاؤل والثقة بالله اختار الله الحكيم الضحى) وكأنه تعالى يقدم لنا دواء لكل من كلبته الهموم والأحزان، فأراد الله أن تكون صلاة الفجر، أسلوب حياة، وأن يتماشى أسلوب حياتنا مع صلاة الفجر، وليس العكس.
الحفاظ على صلاة النوافل بجانب صلاة الفرائض، يحمي صلاة الفرائض، فأنت بذلك حصنت نفسك من أن تفوتك أية صلاة من الفريضة، وفضلها عظيم حيث قال صلى الله عليه وسلم من صلى اثنتي عشرة ركعة غير الفريضة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة"، والمحافظة عليها تجلب حب الله لك كما قال عز وجل في الحديث القدسي "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".
من أهم الأسباب لعدم الحفاظ على الصلاة، هو سوء التخطيط لها، حيث يفتح بابا لنفسك وللشيطان للمماطلة في أدائها، فأول أعذارك المنطقية، هي أن تؤدي الصلاة بعد الانتهاء من الأمر الذي بين يديك، وما إن تنتهي حتى تجد الأمر ثقيلاً جداً، لذلك رتب يومك وأعمالك واجعلها تدور حول الصلاة، بدلا من أن تدور الصلاة حول أعمالك فتضيعها، وإذا حدث وضيعتها عليك الاستفادة من تلك الأخطاء، فلا تكرر الخطأ مرتين، أمام نفسك وشيطانك.
الصلاة مصدر للطاقة وقيامك للصلاة يجدد طاقتك ونشاطك وقادر أن يبدد أي شعور سلبي ذهني أو جسدي تشعر به، فمثلاً في الوضوء تحدث تغيرات كبيرة في أجسادنا، فعندما يمس الماء البارد أطراف الجسد، يضيق شريان الدم فيها؛ نتيجة لانخفاض درجة حرارتهما وبالتالي يزيد سريان الدم إلى هذه المناطق، لموازنة درجة الحرارة العامة، وسريان الدم يزيد من حيوية الأعصاب الموجودة في تلك المناطق، وبارتباط هذه الأعصاب بالعصب الرئيسي في المخ، يجدد الإنسان نشاطه بعد الوضوء نتيجة لنشاط المخ، كما يقلل الوضوء من خطر الإصابة بسرطان الجلد، ويساعد أيضاً في التخلص من الشحنات الكهربائية الضارة التي ترسلها طبقة الأينوسفير إلى الأرض.
المشي للمسجد يوميًا له أثر بالغ في الحفاظ على صحتك على المدى البعيد، وهو مصدر مجدد للطاقة ومبدد للخمول والكسل والتوتر، وكذلك حركة السجود والركوع، ووضع الجلوس للتشهد، وحتى حركة السلام فهي مناسبة العضلات الرقبة، وتحريك للفقرات والتربطة العنقية.
في دراسة أثبتت أن المصلي بخشوع يحصل على قدر كبير من الطاقة الروحية بعد كل صلاة، وذلك بتصوير الطاقة المنبعثة منه . قبل وبعد الصلاة، والعجيب أن أوقات الصلاة، تزداد فيها معدلات الطاقة، حتى تبلغ قمتها، ويوجد ترابط كبير بين أوقات الصلاة والهرمونات الطبيعية التي يفرزها الجسم، في أوقات الصلاة المختلفة؛ لذلك نشعر بثقل الصلاة إذا فات وقتها، فوقت الصلاة المحدد بما يحمله من طاقة عالية، دافع قوي للحفاظ عليها.
الغرض من إقامة الصلاة هو إقامة إنسان؛ فالتأثير اليومي المتكرر للصلاة، يؤدي إلى إقامة إنسان جديد مع الوقت، جعل الله الصلاة أداة تغيير، وهي الفعل القادر على تغيير سلوك وفكر من يقوم به، ولكن هذا التغيير، لا يتم بين ليلة وضحاها، لذلك جاءت واصطبر عليها ومن سياق الآيات تتحدث أن الصلاة بتكرارها تعد تدريبا على الصمود والمثابرة، تلك الصفات التي أراد الله العليم الخبير أن يودعها في نفس نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لتحقيق هدف معين وهو نشر دعوة الإسلام.
أراد الله عز وجل لنا حياة بدون خوف ولا هم ولا حزن، مقابل التصالح معه، والتقرب إليه، وهو يكفيك كل شيء، ولأننا ننسى تلك الحقيقة؛ جاءت الصلاة؛ لتذكر الإنسان بها؛ فنبدأ الصلاة بتكبيرة الإحرام، ونقول الله أكبر كأنها تذكير بأن كل ما أهمك أو أخافك أو أحزنك، قبل الصلاة، لا مكان له هنا؛ فأنت الآن جئت للذي هو أكبر منه، نقرأ في سورة الفاتحة الحمد لله رب العالمين، فنحمد الله على أنه رب كل شيء، وهي رسالة تحدث بها نفسك لتطمئنها، أو تحفزها أو تقوي بها ثقتك، وكأنك تقول لنفسك أهدئي وأطمئني؛ فأنا الآن أمام رب العالمين.